الأحد، 16 فبراير 2020

ﻛﺎﻥ ﻣﻠﻜﺎً ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺠﺒﺎً

ﻛﺎﻥ ﻣﻠﻜﺎً ﻣﻦ ﺳﻼﻟﺔ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﺠﺒﺎً ﺑﻨﻔﺴﻪ، ﻣﻐﺮﻭﺭﺍً، ﻭﻛﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺨﻠﻖ ﺃﻓﻀﻞ ﻣﻨﻪ، ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻋﻦ ﺩﻣﺎﺋﻪ ﺍﻟﺰﺭﻗﺎﺀ ﻻ ﻳﻨﻘﻄﻊ، ﻭﻣﺠﺎﻟﺴﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻬﺎ ﺷﻌﺮﺍﺀ ﻭﻣﺪّﺍﺣﻮﻥ، ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻐﺰﻝ، ﺍﺳﻤﻪ ﻣﻨﻘﻮﺵ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺪﺍﺭ، ﻭﺻﻮﺭﺗﻪ ﻣﺮﺳﻮﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﻫﻢ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﻭﺩﻧﺎﻧﻴﺮﻫﺎ.


ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﻣﻮﻛﺒﻪ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ، ﻟﻔﺖ ﻧﻈﺮﻩ ﺭﺟﻞ ﻳﺤﻔﺮ ﺑﺪﺃﺏ ﺷﺪﻳﺪ، ﻭﺣﻮﻟﻪ ﻛﻮﻣﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﺟﻢ ﻓﺘﻮﻗّﻒ ﻋﻨﺪﻩ ﺳﺎﺋﻼً ﻋﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ، ﻓﺄﺟﺎﺑﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ: ﺇﻧﻲ ﻫﻨﺎ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻱ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻚ! ﻓﺘﻌﺠﺐ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻟﻘﻮﻟﻪ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻭﻛﻴﻒ ﻫﺬﺍ؟

ﻓﺪﻧﺎ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ: ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻱ ﺟَﺮَﺕ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻗُﺘِﻞ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻠﻜﻨﺎ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﺃﺑﻮﻙ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺄﺣﺒﺒﺖ ﺃﻥ ﺃﻟﻤﻠﻢ ﻋﻈﺎﻣﻪ، ﻛﻲ ﺗُﺪﻓﻦ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﻳﻠﻴﻖ ﺑﻤﻠﻚ ﻋﻈﻴﻢ ﻟﻜﻨﻨﻲ - ﻟﻠﻌﺠﺐ - ﻭﺟﺪﺕ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﺪﻫﺸﺎً.

ﺛﻢ ﺃﻣﺴﻚ ﺑﺎﻟﻌﻈﺎﻡ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﺮّﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻗﺎﺋﻼً: ﻫﺬﻩ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻱ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺜﺮﺕُ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺍﻧﻈﺮ ﻟﻬﺎ ﺟﻴﺪﺍً، ﻫﻞ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ
ﺗﻔﺮّﻕ ﺑﻴﻦ ﻋِﻈﺎﻡ ﺃﻣﻴﺮ ﻭﻋِﻈﺎﻡ ﻓﻘﻴﺮ؟ ﺑﻴﻦ ﺑﻘﺎﻳﺎ ﻏﻨﻲ ﻭﺷﺤﺎﺫ؟ ﺑﻴﻦ ﻫﻴﻜﻞ ﻗﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺪﺍﺭﺓ ﻭﺟﻨﺪﻱ ﺑﺴﻴﻂ؟

ﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻱ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﺍﻷﺭﺽ ﺟﻌﻠﺘﻬﻢ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺳﻮﺍﺳﻴﺔ! ﻧﻌﻢ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﻫﻨﺎﻙ، ﺑﺎﻃﻨﻬﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪّ ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻻﺑﺘﻼﻉ ﺍﻟﻜﺒﺎﺭ، ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻸﻫﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮ ﻭﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻓﻈﻨﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻦ ﺗﺪﻭﺭ ﺑﻐﻴﺮﻫﻢ، ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻭﺣﺪﻫﻢ ﻫﻢ ﺯﻳﻨﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺑﻬﺠﺘﻬﺎ، ﻭﺑﻠﻎ ﺑﻬﻢ ﺍﻟﺸﻄﻂ
ﻣﺒﻠﻐﺎً، ﺃﺷﻔﻘﻮﺍ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﺭُﻭّﺍﺩﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺸﻤﺲ ﻭﻫﻢ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺑﻴﻦ ﻇﻬﺮﺍﻧﻴﻬﻢ.

ﻭﺇﻥ ﻫﻲ ﺇﻻ ﺃﻳﺎﻡ - ﻃﺎﻟﺖ ﺃﻭ ﻗﺼﺮﺕ - ﺣﺘﻰ ﻳُﺼﺒﺤﻮﺍ ﻣﻦ ﺭﻣﺎﺩ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﻃﻌﺎﻣﺎً ﻟﺪﻳﺪﺍﻧﻬﺎ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻌﺮﻓﻬﻢ ﺑﻪ ﻫﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺮﺧﺎﻣﻲ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻟّﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺿﻊ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ ﻛﻲ ﻻ ﺗﻄﺄﻫﺎ ﺍﻷﻗﺪﺍﻡ!

ﻫﺬﻩ ﺃﻗﺪﻡ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻭﺃﺟﻼﻫﺎ ﺻﻮﺭﺓ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻳﻨﺴﻮﻧﻬﺎ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﻭﻥ ﻣﻤﻦ ﻟﻔّﻬﻢ ﺛﻮﺏ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻟﻢ ﻳﻌﻮﺍ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺛﻤﺔ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﺎ،
ﻳﺼﺒﺢ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺍﻷﻣﺮ ﻟﻤﻦ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻼ ﻣﺎﻝ ﻭﻻ ﺟﺎﻩ ﻭﻻ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﺼﻨﻊ ﻟﻬﻢ ﺳﺎﺗﺮﺍً ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃﻭ ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﺭﺏ ﻗﻮﻱ
ﻗﺎﺩﺭ.

ﻧﺮﺍﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺎﺷﺎﺕ، ﻳﺆﻛﺪﻭﻥ ﺑﺈﺻﺮﺍﺭ ﻋﺠﻴﺐ ﺃﻥ ﺑﻠﺪﺍﻧﻬﻢ ﺩﻭﻧﻬﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺨﺮﺍﺏ ﺑﻌﻴﻨﻪ، ﻭﺑﺄﻧﻬﻢ ﺻﻤّﺎﻡ ﺍﻷﻣﺎﻥ، ﻭﻣﻨﺘﻬﻰ ﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ.

ﻭﺃﺗﺴﺎﺀﻝ ﺣﻘﺎً: ﺗُﺮﻯ ﻟﻮ ﺟﺎﺀﻫﻢ ﻣﻠَﻚ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻟﻴﻘﺒﺾ ﺃﺭﻭﺍﺣﻬﻢ ﻓﻬﻞ ﺳﻴﻄﺎﻟﺒﻮﻧﻪ ﺑﺈﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﻈﺮ؟ ﻫﻴﻬﺎﺕ ﺳﺘﺼﻌﺪ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ، ﻭﺗُﻠﻘﻰ ﺍﻷﺟﺴﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺗُﻜﻤﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﺠﻠﺔ ﺳﻴﺮﻫﺎ.

ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﻘﻒ ﻟﻮﻓﺎﺓ ﻫﺬﺍ ﻭﺫﺍﻙ؟! ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺃﻥ ﺗﻘﻒ ﺣُﺰﻧﺎً ﺃﻭ ﺩﻫﺸﺔ ﺃﻭ ﺃﻟﻤﺎً ﻭﺣﺪﺍﺩﺍً ﻟﻮﻗﻔﺖ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺕ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻭﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ، ﻭﻫﻢ ﺃﺷﺮﻑ ﻭﺃﻃﻬﺮ ﻭﺃﻋﻈﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻋﻨﺪ ﺭﺏ ﺍﻟﺒﺸﺮ.

ﺍﻷﺩﻳﺐ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻧﺠﻴﺐ ﻣﺤﻔﻮﻅ ﻳﺴﺘﻌﺠﺐ ﻗﺎﺋﻼً: ﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎً ﺃﻥ ﻳﻌﺒﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺑﻞ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﺃﻥ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﺁﻣﻦ ﺣﻘﺎً ﺑﺄﻧﻪ ﺇﻟﻪ!

ﻭﻭﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻋَﺠَﺐُ ﺃﻻﺩﻳﺐ الراحل ﺑﺄﺷﺪ ﻣﻦ ﻋَﺠَﺒﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻓﻬﺎ ﻧﺤﻦ ﻧﺮﻯ - ﺑﻌﻴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮ ﻻ ﺑﺴﻤﻊ ﺍﻟﺨﺒﺮ - ﻣﻦ ﻳُﺒﻴﺪ ﺷﻌﺒﺎً ﻛﺎﻣﻼً، ﻭﻓﻲ ﻳﻘﻴﻨﻪ ﺃﻥ ﻛﻞ ﺩﻣﺎﺀ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﺗﻬﻮﻥ ﻭﺗﺮﺧﺺ، ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺃﻻ ﻳﻤﺴﻪ ﺳﻮﺀ، ﻛﻲ ﻻ ﻳﺨﺘﻞّ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺍﻷﺭﺽ.

ﺇﻧﻪ ﺍﻟﻐﺮﻭﺭ ﻭﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻭﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﻳﺎ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺪﺍﺀ ﺍﻟﻘﺎﺗﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺮﺝ ﺇﺑﻠﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻨﺔ، ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﻧﺪﺍً ﻭﻋﺪﻭﺍً ﺣﺘﻰ ﻗﻴﺎﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ.

ﺩﺍﺀ ﺧﻔﻲ ﻧﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻧﻔﺘﺶ ﻋﻨﻪ ﺑﺪﺍﺧﻠﻨﺎ ﺩﺍﺋﻤﺎً، ﻭﺑﺪﺃﺏ ﺷﺪﻳﺪ ﻛﻲ ﻻ ﻳﺘﺴﻠﻞ ﻭﻳﺴﻜﻦ ﻓﻴﻨﺎ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﺪﺭﻱ، ﻭﻟﻌﻞ ﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﻓﻄﻦ ﺇﻟﻴﻪ ﺃﺣﺪ ﻣﻠﻮﻙ ﺭﻭﻣﺎ ﺍﻟﻘﺪﻣﺎﺀ ﻓﺪﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻻ ﻳﻤﺸﻲ ﻓﻲ ﻣﻤﻠﻜﺘﻪ ﺇﻻ ﻭﺑﺼﺤﺒﺘﻪ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻣﻦ ﻋﻤﻞ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻬﻤﺲ ﻓﻲ ﺃﺫﻧﻪ ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺻﻔّﻖ ﻟﻪ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻭ ﺍﻣﺘﺪﺣﻮﻩ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻐﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻨﺎﺀ ﻋﻠﻴﻪ، ﻗﺎﺋﻼً: ﻳﺎ ﻣﻮﻻﻱ ﺗﺬﻛّﺮ ﺑﺄﻧﻚ ﺇﻧﺴﺎﻥ.

ليست هناك تعليقات: