يحكى أن رجلا ميسوراً عاش في أم القرى قبل نحو مائة عام، وكان له خادم مملوك يخدمه في جميع شؤونه الخاصة، فإذا أذن المؤذن لصلاة الفجر أيقظه مملوكه وقدم له إبريق الوضوء وأشعل الفانوس، ومشى أمامه نحو المسجد.
وذلك قبل عهد الكهرباء بل قبل حيث كانت الشوارع متربة والأزقة مليئة بالحجارة ولا توجد إضاءة عامة، ويكون الظلام دامساً من بعد غروب الشمس حتى طلوعها صبيحة اليوم التالي.
فلما رأى ذلك الرجل الميسور تفاني مملوكه وخادمه في خدمته قال له ذات يوم: اسمع يا سعيد لقد كتبت في وصيتي الموجهة لورثتي أن تصبح حراً بعد وفاتي مكافأة لك على إخلاصك في خدمتي لعشرات السنين، فسكت الخادم ولم يعلق على ما سمعه من سيده شيئا!
وفي فجر اليوم التالي قام كعادته وأسرج الفانوس ومشى به خلف الرجل الميسور، فتعجب من فعلته وقال له: ما لك يا سعيد؟
لماذا لا تتقدم بالفانوس حتى تنير لي الطريق نحو المسجد؟
فأجابه خادمه بقوله: أنت يا سيدي الذي جعلت نورك وراءك، عندما وعدتني بالحرية بعد مماتك ولم تقم بذلك في حياتك، فلماذا تجعلني أتمنى موتك حتى أنال حريتي بدل أن أتمنى لك طول العمر في طاعة الله ألا تعلم أني سأظل أخدمك وفياً لك حتى لو نلت على يديك حريتي؟
وفهم الرجل الدرس جيداً! وقال له: أنت يا سعيد حر من هذه اللحظة.
فرد عليه قائلا: وأنا خادمك البر من هذه اللحظة.
أما الدرس الذي علينا الاستفاده منه في هذه الحكاية فهو أن نقرر تنفيذ أي عمل خيري من فضول أموالنا في حياتنا بدل أن نوصي بها بعد وفاتنا، حتى نجعل نورنا أمامنا بدل أن نجعله خلفنا.
وهنا العبرة نقول لكل من يتحدث عن نيته في كتابة وصية تتضمن بناء مسجد أو دار أيتام أو مدرسة تحفيظ قرآن من أمواله بعد وفاته نقول لهم: وهل تضمنون أن ينفذ ورثتكم وصيتكم كما تحبون؟ ولماذا لا يكون عملكم الطيب خلال حياتكم تقدمون وتعجلون الخير لأنفسكم وتضيئون دروبكم خذ مصباحك معك ولا تتركه خلفك؟ فلنجتهد ليكون نورنا أمامنا.
جعلنا الله و إياكم ممن قال الله فيهم {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} خذ مصباحك بيدك ولا تجعله بيد غيرك، فيحرمك الضياء والنور! اصنع سعادتك بنفسك، ولا تجعل سعادتك مرهونة بيد غيرك!
من لم يضئ مصباح سعادته بيده، تخبط في ظلام تعاسته بيد غيره! إن لم تُسعد نفسك في حياتك، فحرياً بغيرك ألا يسعدك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق