طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر مرمية على أحد القبور الحديثة و تحفر بكلتا يديها القبر و هي تقول باكية: كافي اطلع ما اريد بعد ألعب غميضان اطلع حلال.
أحزنني هذا المشهد كثيرا فاقتربت منها فإذا بوالدها يجلس على حافة قبر آخر و الدمع ينهمر بصمت من عينيه وهو ينظر إليها دون أن يمنعها.
حاولت حمل الطفلة و إبعادها عن هذا العمل لكنها أبت إلا أن تتابع ما تقوم به و هي تبكي، سألت والدها عن السبب فأخبرني و الدمع يملأ عينيه و الحرقة تعتصر قلبه، وقال لي: في ذلك اليوم أراد ابني أن يخرج من البيت لكن أخته هذه منعته من ذلك و هي متعلقة به كثيرا و كلما هم بالخروج قامت بالبكاء الشديد لتمنعه.
فما كان منه إلا أن لجأ إلى الخدعة معها فقال لها: كافي ما اريد بعد روحي خلينا نلعب غميضه، فقبلت و لعبا سوية فهي تغمض و هو يختبئ و بعد عدة مرات أغمضت عينيها و استغل الفرصة و خرج من المنزل، فتحت عينيها و بدأت بالبحث عن أخيها دون جدوى.
وما هي إلا لحظات حتى رن جرس هاتفي ظاهرا عليه اسم ابني فتحت الخط فإذا بي أسمع أصوات ضجيج و صوت رجل غريب أخبرني بأن ابني قد استشهد برصاص قناص غادر وضيع.
شيعناه في اليوم التالي فشاهدته ابنتي و هو محمول على الأكتاف فنادته فلم يستجب، فقالت لي: بابا و ين آخذو أخي؟
فقلت لها في حيرة: راح ياخدوه حتى يتخبى علمود تكملون لعبة الغميضه.
فقالت: بس أنا ما اريد إلعب بعد؟
فقلت لها: بس هالمرة.
و أثناء دفنه أغمضت ابنتي عينيها في حجري و قالت لي هامسة: يللا خلي يتخبى، لقد و ضعناه في الحفرة و لفه تراب الوطن شهيدا بإذن الله و عدنا إلى البيت.
ومن يومها تطلب منا كل يوم أن نأتي إلى المقبرة لأنها تعرف أن أخيها قد اختبأ هنا و تقول: يا متخبي اطلعلي، ثم شهق شهقة أحرقت قلبي و قال لي: و الله ما عاد يطلع.
ثم أجهش بالبكاء حتى احمرت عيناه و ابتلت لحيته، فتركتهما و خرجت من المقبرة و أنا أردد في نفسي و الدمع في عيني: يا متخبي كافي واطلع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق